المشاكل العميقة الجذور المتعلقة بالمالية العامة للبلاد وموقف الحساب الخارجي لن يجري حلها إلا "تدريجيا"
من المتوقع أن تتخذ البنوك تدابير عدة لمنع انخفاض إيراداتها بعد فترة طويلة من الأرباح المرتفعة

القطاع المصرفي بحاجة لتنفيذ تغييرات ضرورية حال خفض الفائدة: في ظل احتمالية بدء البنك المركزي المصري دورة تيسير نقدي قريبا، من المتوقع أن تتخذ البنوك التجارية عدة إجراءات لحماية إيراداتها بعد فترة طويلة من تحقيق أرباح عالية نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة على القروض وأذون الخزانة، بحسب ما قالته مصادر في القطاع المصرفي لإنتربرايز.
انقسم المحللون حول ما إذا كانت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي ستخفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع، إذ توقع أربعة من بين تسعة محللين استطلعنا آراءهم خفض المركزي أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الخميس المقبل. ويتوقع بعض المحللين أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 100-200 نقطة أساس، مع الإشارة إلى أن التأثير المواتي لسنة الأساس وتباطؤ التضخم يأتيان ضمن العوامل التي قد تؤثر في القرار. فيما يرى آخرون أن تباطؤ التضخم في يناير الذي جاء محدودا، سيدفع البنك إلى الانتظار حتى اجتماع اللجنة التالي المقرر عقده في أبريل المقبل.
البنوك ستلجأ إلى خفض التكاليف حال انخفضت الفائدة: ستتركز جهود البنوك على زيادة الإقراض مع خفض التكاليف قدر الإمكان عبر مراقبة نفقاتها، من أجل الحفاظ على هوامش الربح، وفق ما قالته مصادر إنتربرايز. ومع ذلك، ربما لن تتأثر الإيرادات وفق توقعات الكثيرين، إذ إن انخفاض أسعار الفائدة سيؤثر في كل من أسعار الفائدة على الودائع والقروض، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لبنك البركة حازم حجازي لإنتربرايز.
السندات ستكون بمثابة ملجأ البنوك لتأمين أعلى عائد ممكن، وقد تتحول أيضا إلى إصدار شهادات ادخار ذات عوائد متغيرة بدلا من العوائد الثابتة خلال دورة التيسير للبنك المركزي، وفق ما ذكره مسؤول مصرفي بارز تحدث إلى إنتربرايز شريطة عدم الكشف عن هويته. قد تواصل البنوك خفض أسعار الفائدة على شهادات الادخار قبل شروع لجنة السياسة النقدية في دورة التيسير النقدي بهدف تقليل تكلفة الأموال المودعة لديها، بحسب الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح. بالإضافة إلى أنها قد تسارع في رفع استثماراتها في السندات طويلة الأجل، وأدوات الدخل الثابت، أو أية أصول توفر عوائد مرتفعة لتعويض الانخفاض المتوقع في عوائد القروض، وفق أبوالفتوح.
بعض البنوك بدأت في خفض الفائدة على شهادات الادخار بالفعل: خفض عدد من البنوك المحلية، من بينها بنك مصر والبنك التجاري الدولي وبنك قطر الوطني الأهلي، أسعار الفائدة على شهادات الادخار مرتفعة العائدة هذا الشهر استعدادا لبدء البنك المركزي دورة التيسير النقدي.
إطلاق منتجات إضافية يمكن أن يكون حلا آخر للمقرضين: يمكن للبنوك أن تركز على تنويع مصادر إيراداتها من خلال تقديم خدمات مصرفية استثمارية ورقمية، وخدمات تمويل التجارة، بالإضافة إلى التركيز على البحث عن فرص استثمارية جديدة لتعزيز إيراداتها، حسبما أوضح أبو الفتوح.
ومع ذلك، يبدو أن البنوك حذرة فيما يتعلق بإطلاق منتجات جديدة إذ تظل متيقظة بشأن تطورات الاقتصاد الكلي والمخاطر المتزايدة الموجودة حاليا في السوق، بحسب مصدر إنتربرايز الذي طلب عدم الكشف عن هويته. في الوقت نفسه، لم تعد البنوك متحمسة كما كانت للاستحواذ على شركات التمويل غير المصرفي أو تمويلها، فقد أوضح المصدر أن الإجراءات التنظيمية الصارمة التي تفرضها هيئة الرقابة المالية قللت من جاذبية الاستثمار في قطاع التمويل غير المصرفي للبنوك.
الخدمات المالية غير المصرفية شهدت المزيد من القيود العام الماضي: وضع البنك المركزي المصري في فبراير 2024 سقفا لإجمالي التسهيلات الائتمانية والاستثمارات في محافظ التوريق لشركات التأجير التمويلي عند 5% من إجمالي محفظة القروض والتسهيلات للبنك، مشترطا ألا يتجاوز حصة الشركة الواحدة ما نسبته 1% من محفظة التسهيلات والاستثمارات الإجمالية للبنك، إلى جانب العديد من الضوابط الأخرى. كما أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية حزمة من القرارات المتعلقة بضوابط توريق الحقوق الناشئة عن مزاولة أنشطة التمويل غير المصرفي، وقواعد وضوابط وإجراءات الترخيص للبنوك التى تباشر أنشطة مالية غير مصرفية.
وفي أكتوبر الماضي، أوقفت الهيئة قبول طلبات التأسيس والترخيص للشركات والجهات الراغبة في مزاولة نشاطى تمويل المشروعات متناهية الصغر أو التمويل الاستهلاكي. وقيدت الهيئة أيضا عمليات حوالة المحافظ الائتمانية الخاصة بشركات الخدمات المالية غير المصرفية إلى البنوك.
ثمة زيادة في حجم الائتمان في المجمل رغم ارتفاع تكاليف الاقتراض، ما يشير إلى أن تكلفة التمويل المرتفعة سيتحملها المستهلك في نهاية المطاف، حسبما قال الخبير المصرفي محمد عبد العال لإنتربرايز. وأوضح أن هذا قد يسهم بدوره في ارتفاع التضخم مع رفع الشركات أسعارها للحفاظ على الربحية.
التفاؤل الحذر يسيطر على التوقعات بشأن الاقتصاد المصري: يتمتع الاقتصاد المصري حاليا بزخم إيجابي بعد صدور بيانات التضخم الأخيرة بالإضافة إلى الاستقرار النسبي لسعر الصرف، ما يجسد مؤشرات إيجابية للاقتصاد في المستقبل، وفق ما ذكره بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي في مذكرة بحثية اطلعت عليها إنتربرايز. ومع أن الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة والمؤسسات الدولية قد ساعد في وضع مصر على مسار التعافي الاقتصادي، فإن المشاكل الهيكلية الضاربة بجذورها التي تتعلق بالمالية العامة للبلاد وموقف الدين الخارجي لن يجري حلها إلا "تدريجيا"، بحسب البنك.
سيولة النقد الأجنبي والاستقرار عاملان محوريان على طريق التعافي: سيولة النقد الأجنبي واستمرار استقرار سوق الصرف الأجنبي هما العاملان الرئيسيان من أجل ضمان استدامة تعافي الاقتصاد المصري في العامين المقبلين — وهذا التعافي قال البنك إنه سيكون مدفوعا باستهلاك الأسر المصرية، الذي أظهر بالفعل علامات التعافي في النصف الأول من العام المالي الجاري. غير أن "بي إن بي باريبا" يتوقع حدوث "تعافي أكثر توازنا" بدءا من عام 2026.
بطء متوقع في الاستثمارات العامة على المدى القريب: من شأن جهود مصر لضبط الأوضاع المالية في إطار برنامجها مع صندوق النقد الدولي أن تبطئ الاستثمارات العامة في المدى الزمني القريب، في حين لا يتوقع أن ينتعش "الاستثمار الإنتاجي" من القطاع الخاص بدءا من عام 2026. وفي الوقت نفسه، لا يزال معدل استخدام الطاقة الإنتاجية في مصر — أي مدى استخدام الاقتصاد لقدراته الإنتاجية — أقل من 70% في المتوسط، وهو أقل كثيرا من الحد الأدنى البالغ 90% اللازم لتحفيز الاستثمار، وفقا للبنك.
يتوقع بنك "بي إن بي" نمو الناتج المحلي الإجمالي تدريجيا وتباطؤ التضخم على مدار العامين المقبلين: يتوقع البنك نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% خلال العام المالي 2025/2024، يليه "تسارع معتدل" في النمو يصل إلى 4.7% في العام المالي 2026/2025. كما يتوقع البنك تباطؤ التضخم بشكل كبير إلى 19.8% هذا العام — انخفاضا من 33.6% العام الماضي — قبل أن يتراجع أكثر إلى 10.3% في عام 2026، مما يجعله أعلى بقليل من مستهدف البنك المركزي المصري بمتوسط 7% (± 2 نقطة مئوية) بحلول الربع الأخير من عام 2026.
انخفض معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 24% في يناير، بتراجع قدره 0.1 نقطة مئوية من 24.1% في ديسمبر الماضي. وكانت قراءة التضخم لشهر يناير الأدنى في البلاد منذ ديسمبر 2022، لكن هذا الرقم يمثل فقدانا للزخم على مستوى توقعات تباطؤ التضخم في البلاد، بعد أن جاء بأعلى مما توقعه العديد من المحللين.
لا إجماع واضح بشأن آفاق الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على مدى العامين المقبلين: توقعت كابيتال إيكونوميكس نموا بنسبة 5.3% للعام المالي 2026/2025، وهو أعلى قليلا من توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي البالغة 4.1% و4.2% على الترتيب.
يبدو أن "التفاؤل الحذر" هو الشعور السائد بين المحللين بشأن التوقعات الاقتصادية لمصر: ردد مورجان ستانلي وجهة نظر مماثلة تصف الشعور السائد بين اللاعبين المحليين بشأن توقعات الاقتصاد المصري خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة. فعلى نحو مماثل، توقع مورجان ستانلي تباطؤ التضخم وخفض أسعار الفائدة بشكل كبير هذا العام، في حين وضع في الحسبان توقعات بمزيد من التراجع في قيمة الجنيه. وأبدت زيارة منفصلة من جولدمان ساكس الشهر الماضي استنتاجات مماثلة، إذ توقع بنك الاستثمار الأمريكي "خفضا كبيرا في أسعار الفائدة"، في حين أشار إلى أن سعر الصرف سيظل مدعوم بشكل جيد" في الأمد القريب.
تتوقع الوكالة أن تساعد إصلاحات الدعم والإصلاحات الضريبية الحكومة على تحقيق فائض أولي قدره 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الحالي .
حافظت موديز على نظرتها المستقبلية الإيجابية لمصر، كما أكدت على التصنيف الائتماني السيادي للبلاد عند "Caa1"، وفق ما أعلنته وكالة التصنيف الائتماني أمس. وقالت الوكالة إن نظرتها المستقبلية الإيجابية تعكس "احتمالات تحسن عبء خدمة الدين المصري والوضع الخارجي للبلاد".
وفي مارس الماضي، بعد فترة وجيزة من تعويم الجنيه، رفعت الوكالة نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية من سلبية، مع تثبيت تصنيفها الائتماني عند "Caa1". وعزت الوكالة قرارها إلى استثمارات رأس الحكمة البالغة 35 مليار دولار والإجراءات الأخيرة على صعيد السياسة التي اتخذها البنك المركزي المصري.
الوكالة تبدي تفاؤلها: ترى موديز أن الجهود المبذولة لتشديد السيولة وكبح التضخم "تزيد من احتمالات انخفاض التضخم وأسعار الفائدة على نحو دائم، إذ تتعزز مصداقية وفعالية السياسة النقدية للبنك المركزي".
التدابير المالية تؤتي ثمارها: ستساعد إصلاحات الدعم والإصلاحات الضريبية الحكومة على تحقيق فائض أولي قدره 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الحالي، بحسب الوكالة.
لكن، لا تتحمسوا كثيرا: لا تزال نقاط الضعف الائتمانية تشكل خطرا، كما أن "التطورات المحتملة" يمكن أن تعرقل مسار الجهود المبذولة لتحسين قدرة البلاد على تحمل الديون، إذ أن "التحسينات الجوهرية في القدرة على تحمل الديون وعبء الديون والاستقرار الخارجي تعتمد على المزيد من التحسينات المطردة في فعالية السياسة النقدية والمالية، والتي لا تزال ناشئة".
ما الذي يمكن أن يعرقل الجهود المبذولة؟ تشير موديز إلى التحديات التي يمكن أن تنشأ في حالة ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية، في حال أدت التطورات الإقليمية إلى تدفقات خارجة أو انخفاض الثقة في الجنيه. هذا إلى جانب احتمالية ظهور تحديات تتعلق بالسياسة المالية في ظل سعي الحكومة المصرية لتعزيز الإنفاق الاجتماعي.
أيضا - تتوقع وكالة التصنيف الائتماني أن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي دون 80% في العام المالي 2027/2026، من 84% المتوقعة للعام المالي الحالي. وتتوقع أيضا أن تنخفض نسبة مدفوعات فوائد الدين إلى الإيرادات العامة إلى أقل من 50% في العام المالي 2027/2026، من 63% للعام المالي الحالي، وأن تصل خدمة الدين الخارجي إلى ذروتها في العام المالي الحالي عند 33 مليار دولار.
تعليقات
إرسال تعليق