القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الحصن الفصل الاول بقلم فرحات جنيدي


كان استوديو الحصن درة الإنتاج السينمائي في الشرق الأوسط، صرحًا شامخًا وسط الصحراء السعودية. لم يكن مجرد استوديو، بل مكانًا يقال إنه يجمع بين روعة التصميم المعماري وأسرار الماضي الغامضة. خلف جدرانه، يختبئ تاريخ مظلم لا يعلمه الكثيرون.
كان هذا الاستوديو حديث المدينة، تدور حوله قصص كثيرة، بعضها أقرب إلى الأساطير. لكن عندما عُرض عليّ تصوير فيلمي الجديد، ظل الإمبراطور، داخله، لم أكن أعلم أنني على وشك أن أصبح جزءًا من قصة تفوق كل ما يمكن تخيله من رعب وغموض.


وصلت إلى الاستوديو حيث استُقبلت بحفاوة بالغة. بدا كل شيء في غاية التنظيم، لكن ثمة شيء غريب كان يلوح في الأفق. مع أول ليلة قضيتها داخل المجمع، شعرت بشيء غير مريح. كان الصمت الثقيل يحيط بنا، لا ضوضاء، ولا حركة. كنت أسمع أحيانًا همسات غير واضحة، وكأن الجدران نفسها تهمس بأسرار لا يريد أحد أن يسمعها. ثم جاء الليل، وجاءت معه الظلال التي تتحرك رغم غياب أي مصدر ضوء، ورائحة عتيقة تتسرب من جدران عمرها قرون.

بينما كان الفريق الفني يتفقد الاستوديو لتحديد مواقع التصوير، لفت انتباهي باب خشبي قديم في نهاية ممر طويل. كان الباب مغطى بنقوش غامضة تشبه تلك التي تراها في قصص الأساطير، وكأن هذا الباب هو جزء من بناء أقدم بكثير من باقي الاستوديو، كما لو كان يحمل في طياته سرًا ضائعًا.

سألت أحد الفنيين عنه، فرد بحذر:
"هذا الباب مغلق منذ افتتاح الاستوديو... لا أحد يعرف من بناه أو لماذا هو هنا."

تجاهلت تحذيره، وسرت باتجاه الباب. حين لامست المقبض، سمعت صوتًا خافتًا، كأن شخصًا يهمس خلفي. التففت بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد.

في اليوم التالي، أثناء التصوير في أحد المواقع داخل الاستوديو، تم تجهيز قاعة عرش الإمبراطور بديكور مهيب. وفي وسط الغرفة، كانت هناك مرآة عتيقة تغطي الجدار بأكمله، تبدو وكأنها تحوي تاريخًا طويلًا من الأسرار. بمجرد أن بدأ التصوير، لاحظ أحد المساعدين أن انعكاسات المرآة لم تكن طبيعية. لم تكن تعكس الأشخاص فقط، بل كانت هناك أشكال غامضة تتحرك في الخلفية. كان هناك شعور غريب في الجو، كما لو أن المرآة كانت تراقبنا.

عندما حاول أحد الممثلين لمس المرآة، انطلقت صرخة مدوية. الممثل سقط مغشيًا عليه، وعندما أفاق، بدأ يصرخ بكلمات غير مفهومة وكأنه يتحدث بلغة قديمة.

 لم يعرف أحد كيف يفسر ما حدث، لكن الجميع شعر بالرعب، وقررت إيقاف التصوير مؤقتًا.
في الليلة التالية، قررت أن أقضي بعض الوقت بمفردي في الاستوديو لمحاولة فهم ما يحدث. وبينما كنت أتجول في الممرات، سمعت أصواتًا قادمة من أحد الزوايا المظلمة.

 اقتربت بحذر، فوجدت بابًا آخر مفتوحًا قليلاً. دفعت الباب لادخل غرفة صغيرة، كانت مليئة بصناديق خشبية مغلقة.

عندما فتحت أحد الصناديق، انطلق صوت أنين مكتوم، كأن الصندوق كان يحتوي على شيء حي. فجأة، انطفأت الأنوار، وبدأت الصناديق تهتز من تلقاء نفسها. 

في الظلام، سمعت همسات تتردد باسمي، وكأن شيئًا غير مرئي ينادي علي.
في اليوم التالي، قررنا جميعًا مواجهة ما يجري. عدنا إلى الغرفة ذات المرآة، لكن هذه المرة، كانت هناك هالة من التوتر في الهواء. عند دخولنا، بدأ المكان يتغير. الجدران تحركت وكأنها تنبض بالحياة، والمرآة عكست صورًا مشوهة، أشخاصًا بعينين حمراء تحدق فينا. كان الجميع في حالة من الذهول، لكن ما أثار الرعب أكثر هو أن أحد الفنيات بدأت بالبكاء، لكن في انعكاس المرآة، كانت الابتسامة لا تفارق وجهها رغم دموعها في الواقع.


كنا نعلم أننا على وشك أن نواجه شيئًا أكبر من مجرد حادث تصوير. شيئًا قد لا يكون من هذه الأرض.
الى لقاء قريب مع الفصل الثاني من روايه الحصن

تعليقات

التنقل السريع