 |
| أ. ايمان قنديل أخصائية إرشاد علم النفس التربوي |
عندما يمسك الطفل بالقلم ويرسم خطوطًا عشوائية على الورق، قد تبدو لنا مجرد شخبطة بلا معنى. لكن في الحقيقة، كل خط ولون ومساحة في رسومات الأطفال تحمل دلالات تعكس مشاعرهم، شخصياتهم، وحتى بعض تجاربهم الداخلية التي لا يستطيعون التعبير عنها بالكلمات. إن الرسم هو لغة الأطفال قبل أن يتمكنوا من إتقان اللغة المنطوقة، وهو نافذتهم إلى العالم، حيث يعبرون من خلاله عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية تامة.
لماذا يرسم الأطفال؟
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الأطفال إلى الرسم، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. التعبير عن المشاعر
• الرسم هو طريقة يعبر بها الطفل عن مشاعره الداخلية، سواء كان سعيدًا، خائفًا، غاضبًا، أو حتى قلقًا.
• في كثير من الأحيان، يُفضّل الأطفال التعبير عن مشاعرهم عبر الألوان والخطوط بدلاً من التحدث عنها، خاصة إذا لم يكونوا قادرين بعد على التعبير اللفظي بشكل جيد.
2. التفاعل مع الواقع والخيال
• الطفل يعيش بين العالم الحقيقي وعالمه الخيالي، والرسم يساعده في التعبير عن كلا العالمين.
• قد يرسم شخصيات غير حقيقية أو أماكن خيالية، مما يدل على خياله الواسع وإبداعه الفطري.
3. التواصل غير المباشر
• عندما لا يستطيع الطفل التعبير عن موقف معين بالكلمات، قد يلجأ للرسم كوسيلة للتواصل مع الآخرين، سواء كانوا والديه أو معلميه.
4. التفريغ النفسي والتخفيف من التوتر
• بعض الأطفال يرسمون عند الشعور بالتوتر أو القلق، فالرسم يُعتبر نشاطًا يساعد في تهدئة الأعصاب وإعادة التوازن النفسي.
ماذا تعني الشخبطة ورسومات الأطفال؟
على الرغم من أن رسومات الأطفال قد تبدو عشوائية، فإنها تحمل معاني نفسية يمكن قراءتها من خلال تحليل العناصر المختلفة فيها:
1. الألوان المستخدمة
• الألوان الزاهية (مثل الأحمر، الأصفر، الأخضر): تدل على السعادة، النشاط، والثقة بالنفس.
• الألوان الداكنة (مثل الأسود، الرمادي، البني): قد تشير إلى مشاعر القلق أو الحزن أو الغضب.
• الإفراط في استخدام لون معين: قد يكون مؤشرًا على حالة نفسية خاصة، مثل الإفراط في استخدام اللون الأحمر، الذي قد يعبر عن العصبية أو الغضب.
2. حجم الرسومات وتوزيعها على الورقة
• الأشكال الكبيرة التي تملأ الورقة: تدل على الثقة بالنفس وحب الظهور.
• الأشكال الصغيرة جدًا: قد تعبر عن مشاعر الخجل أو الانطواء.
• الرسومات التي تترك مساحات فارغة كبيرة: قد تشير إلى شعور الطفل بالوحدة أو عدم الأمان.
• الرسومات التي تتكرر بشكل مفرط: مثل رسم نفس الشكل عدة مرات، قد تكون دلالة على رغبة في السيطرة على شيء معين أو الشعور بعدم الاستقرار.
3. الأشخاص في الرسم
• رسم العائلة مع وجود شخص مفقود: قد يدل على توتر العلاقة مع هذا الشخص أو مشاعر فقدانه.
• رسم الشخصيات بدون أيدٍ أو أفواه: قد يعبر عن مشاعر العجز أو عدم القدرة على التعبير.
• رسم الوجوه الغاضبة أو الحزينة: قد يكون مؤشرًا على مشاعر مكبوتة يحتاج الطفل إلى الإفصاح عنها.
• إذا رسم الطفل نفسه صغيرًا جدًا مقارنة بالآخرين: قد يكون ذلك انعكاسًا لشعوره بعدم الأهمية أو قلة الثقة بالنفس.
4. الخطوط وطريقة الرسم
• الخطوط القوية والواضحة: تدل على شخصية قوية وواثقة.
• الخطوط المهزوزة أو المتقطعة: قد تشير إلى القلق أو عدم الاستقرار العاطفي.
• الرسم بعشوائية وبخطوط غير منتظمة: قد يكون علامة على الاضطراب أو الحيرة.
متى يجب الانتباه لرسومات الأطفال؟
في معظم الأحيان، يكون الرسم نشاطًا طبيعيًا يعكس مراحل نمو الطفل وتطوره النفسي والإدراكي. ومع ذلك، هناك بعض الإشارات التي قد تستدعي انتباه الأهل والمعلمين:
1. تكرار رسم مشاهد عنيفة أو مظلمة: مثل الدماء أو الأسلحة، مما قد يعكس مشاعر خوف أو صدمة مر بها الطفل.
2. الاستخدام المفرط للألوان الداكنة بشكل مستمر: خاصة إذا كان الطفل يستخدم في السابق ألوانًا زاهية.
3. رسم نفسه دائمًا في وضع ضعيف أو بعيدًا عن الآخرين: قد يكون مؤشرًا على مشاعر العزلة أو الإحباط.
4. التغيرات المفاجئة في أسلوب الرسم: إذا كان الطفل يرسم بطريقة معينة ثم تغيرت فجأة إلى شيء مختلف تمامًا، فقد يكون ذلك إشارة على تغير في حالته النفسية.
كيف يمكن للوالدين والمعلمين التعامل مع رسومات الأطفال؟
• عدم الاستهزاء أو التقليل من قيمة الرسومات: حتى لو بدت غير مفهومة، فهي تمثل عالم الطفل الداخلي.
• تشجيع الطفل على التحدث عن رسوماته: بسؤاله بطريقة ودية مثل: “ما قصة هذه الرسمة؟” أو “ماذا كنت تفكر عندما رسمتها؟”
• مراقبة التغيرات المستمرة: إذا لاحظ الأهل أو المعلمون تغيرات غير طبيعية في رسومات الطفل، فقد يكون من المفيد استشارة مختص نفسي لفهم حالته العاطفية بشكل أعمق.
• توفير بيئة داعمة للإبداع: من خلال إعطائه أدوات رسم متنوعة وتشجيعه على تجربة الألوان والتقنيات المختلفة.
الخاتمة.
الرسم ليس مجرد نشاط ترفيهي للأطفال، بل هو لغة تواصل بصرية تعكس عوالمهم الداخلية. كل خط وشخبطة تحمل رسالة، وكل لون يعبر عن إحساس معين. من خلال فهم معاني رسومات الأطفال، يمكن للآباء والمعلمين التعرف على مشاعرهم ودعمهم نفسيًا وعاطفيًا، مما يساعدهم على النمو في بيئة صحية متوازنة.
تعليقات
إرسال تعليق