![]() |
د. زهرة الشريف اخصائي نفسي وإرشاد اسري |
في عالم يكبر فيه الطفل يومًا بعد يوم، يصبح احتكاكه بالغرباء أمرًا لا مفر منه. يبدأ الأمر بلقاءات عابرة في الحديقة، أو حديث قصير مع شخص لا يعرفه في الطريق، أو حتى تفاعل بسيط في المدرسة أو المواصلات. من هنا، تبرز أهمية تعليم الطفل كيف يتعامل مع الغرباء، ليس من باب التخويف أو الزجر، بل من باب التوجيه الحذر والرعاية الواعية.
الطفل بطبيعته كائن فضولي، يُفتن بالكلمات اللطيفة والوجوه المبتسمة، وقد ينجذب لأي شخص يمنحه اهتمامًا أو يعرض عليه شيئًا مغريًا مثل الحلوى أو الألعاب. لذلك فإن أول ما يجب أن يتعلمه هو الفرق بين الشخص الذي يثق به الأهل والشخص الذي لا يعرفونه جيدًا. هذا التفريق البسيط في الظاهر هو في الواقع أساس كبير في بناء وعي الطفل الاجتماعي والأمني. الغرباء ليسوا دائمًا أشخاصًا سيئين، لكنهم ببساطة “أشخاص لا نعرف نواياهم”، وهذه الجملة كافية لتكون مبدأ عامًا يزرع الحذر دون أن يغرس الخوف.
حين يبدأ الطفل في فهم هذا المفهوم، يمكن توجيهه بأسلوب قصصي أو من خلال مواقف تمثيلية إلى أنه ليس من الطبيعي أن يذهب مع أي شخص لا يعرفه، حتى لو قال له إن والدته أرسلته، أو وعده بشيء محبب له. يُعلَّم أن يلجأ دومًا إلى شخص بالغ موثوق، كالمعلمة أو موظف الأمن أو أحد الوالدين، إذا شعر بعدم ارتياح تجاه أحدهم. وفي الوقت نفسه، يجب ألا يشعر الطفل بالذنب أو الخجل إذا أخطأ التقدير، بل يجب أن يعلم أن الأهم هو أن يخبر أحد والديه بما حدث بكل صدق.
لكن الصعوبة تكمن أحيانًا في تحقيق التوازن. المبالغة في التحذير قد تُنتج طفلاً خائفًا، مشوشًا، لا يعرف كيف يتفاعل اجتماعيًا، في حين أن التراخي في التربية قد يجعله عُرضة للاستغلال. لهذا، من المهم أن تكون الحوارات عن الغرباء مستمرة، طبيعية، ومرتبطة بالمواقف اليومية التي يمر بها الطفل، وليست فقط تعليمات صارمة تُلقى عليه في لحظة خوف.
في نهاية المطاف، فإن التعامل مع الغرباء ليس مجرد سلوك يتعلمه الطفل، بل هو بناء متدرج للثقة بالنفس، وحدود الجسد، واستقلالية القرار. حين يفهم الطفل أن له الحق في أن يرفض، وأن يُعبّر عن انزعاجه، وأن يلجأ إلى الأمان دون تردد، يكون قد بدأ أولى خطواته نحو عالم يعرف كيف يحمي نفسه فيه دون أن يتخلى عن براءته أو طيبته.
تعليقات
إرسال تعليق