القائمة الرئيسية

الصفحات

الأطفال ومشاهد الحروب في زمن الإعلام المفتوح بقلم الدكتورة/ زهرة الشريف

الدكتورة/ زهرة الشريف اخصائي نفسي وإرشاد أسري

في عالم تتدفق فيه الصور والمشاهد بلا قيود، لم يعد الطفل بمنأى عن أهوال الحروب حتى لو كانت بلاده تنعم بالأمان. فبكبسة زر، ومن خلال شاشة هاتف أو تلفاز أو حاسوب، قد يجد نفسه وجهًا لوجه مع مشاهد لا تحتملها حتى أعين الكبار: منازل مدمرة، صرخات، دماء، وجثث هامدة. لا يدرك الطفل السياق السياسي، ولا يفهم الخلفيات التاريخية، لكنه يرى الألم، ويتلقى صورًا لا تمر عليه مرور الكرام.


تؤثر هذه المشاهد على الأطفال بطرق خفية وأحيانًا مؤجلة. يشعر البعض بالخوف من المجهول، ويبدأ في طرح أسئلة وجودية أكبر من عمره: هل يمكن أن يحدث هذا عندنا؟ هل سأفقد عائلتي؟ هل سأموت مثل هؤلاء؟ ومع تكرار التعرض، يتسلل القلق إلى نفسه في صمت، فيفقد إحساسه الطبيعي بالأمان، وتتشوش رؤيته للعالم من حوله. وقد يظهر ذلك في صورة اضطرابات في النوم، أو قلق مفرط، أو حساسية عاطفية زائدة، أو حتى انطواء مفاجئ.

لا يمكن تجاهل أثر التكرار؛ فكلما ازدادت جرعة هذه المشاهد، زادت معها احتمالات التبلد أو العكس تمامًا، أي الإفراط في الحساسية. بعض الأطفال يبدأون بتقليد مشاهد العنف في ألعابهم، أو يشعرون بنوع من الشلل النفسي حين يواجهون صراعات بسيطة في الحياة اليومية، وكأن وعيهم الطفولي بات يربط العالم كله بالخطر والدمار.

في ظل هذا الواقع، تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الوالدين والمربين. من المهم أن لا يُترك الطفل ليواجه هذه الصور وحده، بل يجب أن يجد من يشرح له الحقيقة بلغة تناسب وعيه، من يطمئنه، ويعزز في داخله الشعور بالأمان والاتزان. كما ينبغي مراقبة المحتوى الذي يتعرض له، ليس من باب التقييد فقط، بل من باب الحماية النفسية.

الأمان لا يُقاس فقط بعدم وجود حرب خارج النوافذ، بل أيضًا بعدم السماح للحرب بأن تدخل إلى أرواح الأطفال عبر الشاشات. ومن هنا، يصبح الوعي المجتمعي والاحتضان الأسري صمّام الأمان النفسي في زمن لا تعرف فيه الصور حدودًا، ولا تُراعي عمرًا

تعليقات

التنقل السريع