![]() |
الدكتور مصطفى محمود |
لم تكن الهجرة مجرد انتقال جغرافي بل كانت تحولا حضاريا وتخطيطيا وقياديا يحمل في طياته أعمق المعاني والدروس والعبر .
ومن أبرز دروس الهجرة أن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خرج تاركا وطنه واحب البلاد إليه مغادرا أهله وعشيرته من أجل نصرة دين الله مما يعلمنا أن الإخلاص في العمل لله والتوكل عليه هو أساس النجاح فرغم قوة أعدائه فقد نصره الله بتدبير محكم.
ولم تكن الهجرة عشوائية بل سبقها تخطيط دقيق واختيار الصاحب سيدنا ابابكر الصديق رضي الله عنه وتحديد طريق غير معتاد واستخدام دليل كفء عبد الله بن اريقط وتوفير الطعام والماء والتغطية الأمنية مما يرسخ أن الإيمان لا ينافي التخطيط وأن الأخذ بالأسباب لا يتعارض مع الثقة بالله.
فهذا هو التوكل علي الله فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل وكذلك من الدروس الصبر في مواجهة المحن فقد واجه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأصحابه رضوان الله عنهم أجمعين اضطهادا وأذى شديدا في مكة المكرمة ولكنهم صبروا واحتسبوا وكان الصبر مفتاح الفرج.
فتعلمنا الهجرة أن طريق الحق محفوف بالتحديات ولكن الثبات والصبر يؤتيان أُكُلَهما في نهاية المطاف بفضل الله تعالي وقد اختار الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سيدنا ابا بكر رضي الله عنه رفيقا له في الهجرة وكان نعم الصديق والرفيق وفي ذلك دلالة على أهمية الصحبة الطيبة في الأوقات الحرجة وفي كل وقت وحين ودورها في تقوية الإيمان وتحقيق الغايات .
فبناء الدولة على أساس العدل والأخوة وبعد وصول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى المدينة المنورة بدأ في بناء مجتمع إسلامي متماسك على أسس العدل والمساواة والأخوة بين المهاجرين والأنصار ووضع دستور المدينة المنورة مما يعكس أن الهجرة كانت بداية لأمة مؤمنة قوية بفضل الله تعالي .
فعيد الهجرة النبوية ليس فقط مناسبة للاحتفال بل هو محطة للتأمل في أعظم معاني التضحية والثبات والتخطيط والصبر إنها دعوة لكل مسلم أن يهاجر الذنوب إلى الطاعات ومن الغفلة إلى اليقظة ومن التقصير إلى الجد والاجتهاد ليكون له سهم في بناء أمة قوية تُرضي الله وتنفع البشرية .
والحديث الشريف المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى اللَّهُ عنْه.
عن عبدالله بن عمرو صحيح البخاري (٦٤٨٤)
عن عبدالله بن عمرو صحيح البخاري (٦٤٨٤)
تعليقات
إرسال تعليق